النوادي التربوية رهان فعال لترسيخ قيم المواطنة الحقة..

حوار مع الدكتورة إلهام الصنابي الباحثة والفاعلة الجمعوية:

حاورها سعيد الشقرونيbro4_SLife

سؤال: ماذا نعني بالأندية التربوية؟ وما هي أدوارها ومجالاتها؟ وهل يمكن اعتبارها رهانا أساسيا لتفعيل الحياة المدرسية..؟ هذه بعض الأسئلة التي سأحاول أن أطرحها على الدكتورة إلهام الصنابي الباحثة والفاعلة الجمعوية التي أشرفت بحكم اختصاصها على مجموعة من النوادي التربوية ذات الطابع الفني والأدبي. أستاذة إلهام: مرحبا بك، وأبدأ بسؤال حول الماهية، ماذا نعني بالأندية التربوية؟

جواب: شكرا للأستاذ سعيد على الثقة وعلى الاستضافة الطيبة، وشكرا لمنبركم على المجهودات التي يبذلها لتنوير المجتمع التعليمي والتربوي والمهتمين به، وجوابا على سؤالكم أقول: إذا أردنا تقديم تعريف للنوادي التربوية، فإننا سنحتكم للحديث عنها حسب ما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نظم الحياة المدرسية وفق مجموعة من التصورات والمرتكزات والأهداف، هكذا سأقول إن الأندية التربوية هي ذلك الفضاء التربوي الذي يقضي فيه المتعلم زمنا معينا وفق خطة تربوية وبيداغوجية تستجيب لحاجياته النفسية والتربوية والتعليمية، من خلال مجموعة من الأنشطة يساهم المتعلم في إعدادها وتقديمها، والهادفة إلى خلق نموذج بشري متمتع بكل حقوقه وعارف بكل واجباته تجاه نفسه والمجتمع والوطن، وقادر على تحقيق ذاته في الحياة بعدما توفق في اكتساب المهارات والكفايات اللازمة في الحياة المدرسية.

سؤال: أي دور تلعبه النوادي التربوية في الحياة المدرسية؟

جواب: التلميذ يقضي أوقاتا من حياته في المدرسة منذ التعليم الأولي إلى غاية آخر مستوى تعليمي يصله، وهذا ما يسمى بالحياة المدرسية التي ترتبط بزمن التعلمات باختلاف مستوياتها وأنواعها، فمنها التعلمات التعليمية التربوية، التي يكتسبها المتعلم داخل الفصل الدراسي وفق المنهاج التربوي، ومنها وهذا ما يغفله الكثيرالتعلمات التواصلية والاستراتيجية التي يكتسبها المتعلم وتمكنه من الاندماج في الحياة العامة، إضافة إلى التشجيع على الابتكار والإبداع، والحث على الفعل التشاركي والعمل داخل المجموعات، والتركيز على إعداد أبحاث حتى لا يكتفي المتعلم بالاستقبال فقط، وإنما يتعلم كيف يعد وينجز ويتواصل؛ فإذا لم تكن هذه التعلمات مبنية على أسس تربوية صحيحة فإننا نجازف فعلا بمستقبل المدرسة ومستقبل الإنسان، لأن التمثلات الخاطئة التي يحملها التلميذ عن المدرسة قبل الالتحاق بها سوف تتأكد له بالمطلق، أو سيتم تعديلها وفق المبادئ المجسدة أمامه، مثلا مبدأ تكافؤ الفرص الذي تنادي به المدرسة العمومية، ومنها التربية على الممارسة السلوكية الصحيحة داخل الفصل.. لنأخذ مثالا: السلوك المدني، أيكفي المقرر التعليمي وتلقينه داخل الفصل لتكريس هذا السلوك؟ أم نحتاج إلى أندية تربوية بيئية وحقوقية وأدبية أيضا تقوم بدور التطبيق الفعلي لهذا السلوك على أرض الواقع؟

سؤال: هل يمكن اعتبار الأندية التربوية رهانا أساسيا لتفعيل الحياة المدرسية؟

جواب: ماذا نريد من المدرسة؟ التعلم أم الحصول على وثيقة إدارية شهادةفقط؟ أعتقد هما معا، ولكن بالموازاة معهما نريد تكوين إنسان له كفاءات متعددة، وقدرات متنوعة، وله أخلاقيات وسلوكات تربوية إنسانية تؤهله للولوج والاندماج في المجتمع بالشكل الصحيح، لكن طرائق التدريس المعتمدة على التلقين والإلقاء في غالب الأحيان لن تسهم أبدا حسب وجهة نظريفي تحقيق الرهان، ما الحل إذا؟ الحل هو البحث عن طرائق وأساليب أخرى، وأعتقد أن النوادي التربوية من بين أهم الركائز التي يمكن لها أن تساهم في تحقيق الهدف إن وظفت بالشكل الصحيح..

سؤال:لكن دكتورة كيف؟

جواب:الجواب في صلب الجواب، فعندما أقول تكوين تلميذ له كفايات تواصلية مثلا، فعلى المشرف على النادي التربوي أن يقوم بإسناد مهام للمتعلم نفسه، ربما فَشل بعض التجارب وعزوف التلاميذ عن المشاركة في الأندية راجع بالأساس إلى أنه يشعر كما لو أنه داخل الفصل الدراسي مجرد مستقبِل فقط، بمعنى استئثار الأساتذة المؤطرين بإعداد المادة وتقديمها، وفي أحسن الأحوال إعدادها وتقديمها جاهزة للمتعلم وعليه حفظها كما يحفظ الدرس، ويلقيها أمام زملائه كما يلقي الأستاذ الدرس تماما، وهذا طبعا لن يسهم إلا في ترسيخ التمثلات الخاطئة عن المدرسة.

لقد كنت مشرفة عامة انطلاقا من تجربتي المتواضعة في هذا المجالعلى مجموعة من النوادي التربوية، أقول مشرفة عامة فقط، وباعتباري أستاذة للغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي فقد كانت المواد المقدمة لها علاقة مباشرة بمكونات المادة وعبر المستويات الثلاثة، فكان الأمر عبارة عن عمل جماعي يتم فيه التنسيق بين أعضاء مكتب النادي الذين يتم انتخابهم بطريقة ديموقراطية، فهم يقترحون ويبرمجون ويقدمون البرنامج في اجتماع ويتم الموافقة عليه أو تعديله، إذ لا بد للمادة العلمية والأدبية المقدمة أن تكون مدروسة بالشكل الصحيح، وأن يقدَّم النشاط بمشاركة التلاميذ، ولا يقتصر الأمر على المتفوقين منهم فقط، وإنما، وانطلاقا من مبدإ تكافؤ الفرص، يتم إشراك تلاميذ متعثرين في الفصل الدراسي، والتلاميذ كثيري الحركة..

وهنا لا بد أيضا من توظيف الأيام العالمية في هذا المجال، فمثلا بمناسبة اليوم العالمي للشعر نظم نادي الآداب والفنون في إحدى الثانويات التي اشتغلت بها أمسية شعرية وأدبية عرفت مشاركة شعراء من المدينة وخارجها، وقد كان بشراكة مع إحدى الجمعيات الأدبية الفاعلة، وهنا وقف المتعلم بنفسه على المادة الأدبية حيث تم استثمار مجزوءة الشعر العربي ضمن مقرر السنة الثانية باكلوريا أدب، فتناوب المتعلمون على تقديم عروضهم الخاصة بكل اتجاه أدبي على حدة، إضافة إلى تقديم عرض مسرحي تطرق فيه الكاتب وهو تلميذلإشكالية التعثر المدرسي لدى متعلم لديه مواهب فنية أخرى، وفكر في مغادرة المدرسة، فانتهت المسرحية بتعهد الأستاذة برعاية هذه الموهبة حسب الإمكانيات المتاحة، إضافة إلى أن التلاميذ قد تعرفوا بشكل مباشر على الشعراء الذين تناوبوا على المنصة ودخلوا في حوار مع المتعلمين،

وهنا أشير إلى أن اللجنة التنظيمية التي سهرت على تنظيم هذا النشاط التربوي وضبط تحركات المتعلمين لم تكن سوى من أولائك المتعلمين أنفسهم الذين شاع عنهم الشغب والاستهتار داخل المؤسسة، إذا كيف يمكن لمتعلم –مشاغبأن يساهم في تنظيم أمسية، وأن يكون مسؤولا على استثباب الهدوء، هنا المعادلة من قبيل السهل الممتنع، قام بهذا العمل لأنه شعر بأن هناك من يؤمن به وبوجوده الإنساني، وبقدرته على تحمل المسؤولية، ومن ثمة سينظر إلى نفسه نظرة مختلفة، والآخر أيضا سيغير موقفه تجاهه.

سؤال: ماهي أنواع أنشطة النادي التربوي أو ما هي مجالات اهتمام الأندية التربوية ؟

جواب: المنتدى هو فضاء خاص ضمن فضاء عام، أو لنقل هو المجتمع المصغر الذي ينتمي إليه المتعلم، وبالتالي فإن نوعية الأنشطة التي يمكن تقديمها في هذا الفضاء التمثيلي للمجتمع الأكبر هي نفسها الأنشطة التي يمكن للإنسان مزاولتها في المجتمع، وعبر مراحل حياته واختلاف مسؤولياته، وبالتالي فإن الأنشطة التربوية تؤدي مهمة الإرشاد والتوجيه والتقويم البيئي أو الرياضي أو الأدبي أو الديني، إلى غير ذلك من أنواع الممارسات الاجتماعية الاعتيادية اليومية، وهنا يأتي دون الفضاء والمؤطرين من أطر إدارية وتربوية، فمثلا أن يكون نادي الآداب والفنون مكونا من أساتذة اللغات وآدابها ويكون الهدف منها إقامة أنشطة تُعرف بهذه اللغات وأنواع الفنون والآداب التي تندرج ضمنها، وفتح مجال الإبداع لهؤلاء المتعلمين والاستماع لما تجود به أقلامهم الإبداعية وتقويمها، والأمر نفسه ينطبق على أساتذة المواد العلمية ودورهم في توجيه اهتمامات المتعلم والحث على الابتكار والإبداع، وأساتذة التربية الإسلامية الذين يحملون هما ثقيلا خصوصا مع موجات التطرف الذي أصبحت تنتشر مجتمعاتنا، إذ عليهم فتح مجال المناقشة والتعرف على الإسلام عن طريق أبحاث وعروض تسهم في خلق الإنسان المسلم المعتدل، فلا ننسى أن هذه المنتديات تسهم في اكتشاف المادة الخام التي يجب صقلها، فكم من شاعر ومسرحي وتشكيلي اكتشف موهبته من خلال النوادي التربوية، وكم من رياضي تخرج من المدرسةإضافة إلى تعزيز الحس التشاركي وتحمل المسؤولية وكلها سبيل لتحقيق المواطن الذي سيحمل مشعل القيادة.

سؤال: هل هناك أسباب تدفع في اتجاه تخلص نساء ورجال التعليم من مهمة تنشيط هذه الأندية؟

جواب: أولا يجب التذكير أن مهمة المدرسة غاية في الأهمية بل والقداسة، وتستمد قداستها من أول كلمة نزل بها الوحي، إقرأ، فبالقراءة بتعدد مستوياتها نكوّن الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وبالتالي فإن مهمة الحياة المدرسية لا تأخذ فقط بفلسفة التعلم والتعليم في بعدهما المعرفي فقط، وإنما ترتكز أيضا على التعلمات السلوكية والأخلاقية، إذ هي أولا تربية ثم تعليم، فكم من إنسان بلغ مراتب العلم العليا فترانا نتجنبه لسوء تعامله مع الآخرين، فالتربية هي فن التعامل، فهي إذا متابعة مستمرة ومرافقة مستديمة، وتتطلب تبعا لهذا وقتا كافيا، إذا انطلقنا من هذه الأرضية ونقارنها بالوضع التعليمي في الفصول الدراسية عندنا، نرى أن الفصل الدراسي قد يصل إلى خمسين تلميذا وتلميذة هذا إذا سلمنا بالمعدل المتوسط؛ ولننظر ثانيا للمقررات التربوية لنجدها ضخمة ودسمة، ثم لنقف عند ضغط الزمن المدرسي الذي تتكدس من خلاله المكونات التعليمية نظرا لإكراهات الامتحانات خصوصا بالنسبة للمستويات الإشهادية.. في نظري هذه كلها عوامل تجعل من الأستاذ في أزمة زمنية وتعليمية مما يصعب معها مواكبة الفعل التربوي والديداكتيكي لتنشيط النوادي التربوية، إضافة إلى ضعف الإمكانات المرصودة لهذا العمل، فكم من مؤسسة تربوية لم تستطع تحقيق برنامج الإذاعة المدرسية مثلا بسبب انعدام أجهزة في مجملها بسيطة..كما أن إقامة نشاط تربوي ثقافي داخل المؤسسة يتطلب أيضا جوائز تحفيزية، وهذا ما يتكلف به الأستاذ، وفي أحسن الظروف تساهم الإدارة ولو بصفة شخصية، وهنا لا أقول يتخلصالأستاذ من الانخراط في النوادي، وإنما يحاول أن يتعامل بمرونة؛ أيضا يجب أن لا ننسى أن للأستاذ حياته الخاصة، فهو رب أسرة ومسؤول عنها وله اهتماماته الشخصية، فلابد إذا من البحث عن حلول تجعل من أنشطة النوادي التربوية جزءا من ديداكتيك تقديم المواد التعليمية ضمن منظومة متكاملة تسعى فعلا إلى تحقيق الأهداف المتوخاة من أجل إنسان الغد، النوادي التربوية فعلا رهان فعال لترسيخ قيم المواطنة الحقة بكل مستوياتها الاجتماعية.

سؤال: الدكتورة إلهام الصنابي، شكرا على مجهوداتكم الجبارة من أجل خدمة المتعلم وقطاع التعليم. شكرا مرة أخرى على هذا الحوار الدال والهام، وإلى مقام آخر من مقال المعرفة والعلم.

جواب: العفو أستاذ سعيد، وأحييكم على روح النضال التربوي والثقافي الذي تحمله.. ممتنة لكم ولتربويات على إتاحة الفرصة لنا للتواصل مع القراء والتعبير عن وجهة نظرنا في موضوع في هذا الحجم.أتمنى لكم التوفيق.

About ssmejlaou12

open education open schools human rights environement..ecology
This entry was posted in قضايا المدرسة العمومية, نادي الابداع الثقافي, نادي البيئة, نادي التربية الايكولوجية, نادي حقوق الانسان, القضايا التشريعية, البيداغوجيات الحديثة, الحياة المدرسية, حوارات and tagged . Bookmark the permalink.

Leave a comment